صباح الخير
في أعماق تاريخ الموضة تتسلل قصص لا تنسى تحمل في طياتها تطوراً وتحولات تعكس مسارات الحضارة وتواصل الإبداع البشري. ومن بين تلك القصص الملهمة تبرز قصة تأريخ الجينز، الذي أصبح لا غنى عنه في خزانة الملابس العالمية. يعكس الجينز تلاقياً بين الفعالية العملية والأسلوب الشبابي، متحدّياً التقاليد ومرسخاً مكانته كقطعة فريدة تتسم بالراحة والأناقة.
في هذا المقال، سنستكشف رحلة الجينز عبر العصور، بدءاً من لحظة ابتكاره في أواخر القرن التاسع عشر وصولاً إلى يومنا هذا، حيث أصبح للجينز مكانة خاصة في ثقافة الموضة والأسلوب. سنتناول التأثيرات الاجتماعية والثقافية التي ساهمت في جعل الجينز ليس مجرد قطعة ملابس بل رمزاً للتغيير والتجديد.يعتبر ليفي شتراوس شريكا في فكرة الجينز الأزرق التي ابتكرت عام 1873 على إثر حمى التنقيب عن الذهب بكاليفورنيا والتي بدأت قبل ذلك التاريخ بعقدين من الزمن.
ولد ليفي في ولاية بافاريا الألمانية، وانتقل من نيويورك إلى سان فرانسيسكو عام 1853 ليفتتح محلا لبيع الملابس والأقمشة.
وهناك باشر "ليفي" العمل مع أحد زبائنه في الخياطة، ويدعى جاكوب ديفيس، الذي كان بدوره يبحث عن شريك لتقديم براءة اختراع لطريقة لتصميم سروال ذي مسامير معدنية في مناطق معينة في الجينز لجعله يدوم لفترة أطول
حصلت شركة Jacob Davis and Levi Strauss Company على براءة الاختراع (عملية وضع المسامير المعدنية في سراويل العمل) في العشرين من مايو / آيار عام 1873، مقدمين بذلك صنفا جديداً من ملابس العمل، وأصبح ذلك اليوم "عيد ميلاد" الجينز الأزرق.
ووفقا لشركة ليفيز فإن أول تصميم للجينز الأزرق، والذي يعرف بـXX waist overall، كان يتميز بجيب واحد خلفي مدرز عليه قوسين، وجيب صغير للساعة، وحزام عريض، وأزرار للحمالة ومسمار نحاسي في الوسط
ويعتقد أن أصل الدينم (القماش الذي تصنع منه ملابس الجينز) هو مدينة "نيم" الفرنسية. وحيث أن القطن كان نسيج قوي ومميز في القرن التاسع عشر فقد استخدم لصناعة سراويل للبحارة من مدينة جنوة الايطالية، والذين يعتبرهم البعض المخترعين الأصليين للجينز، معتبرين أصل كلمة جينز هو التسمية الفرنسية لمدينة جنوة وهي Genes.
ووفقا لشركة ليفيز فقد أضيفت العروة الحمراء لملابس العمل المصنوعة من الجينز على الجيب الخلفي الأيمن عام 1936 "لتميز منتجات شركة ليفيز عن باقي منتجات منافسيها في السوق والذين كانوا يستخدمون دينم أسود ودرزات مقوسة".
ومع إثارة أفلام الغرب الأمريكي الاهتمام بحياة رعاة البقر، بدأت سراويل الجينز الزرقاء بالظهور في ثلاثينيات القرن الماضي، ثم انتشرت كالنار في الهشيم بين الشباب في الخمسينيات تأثرا بأدوار المتمردين في هوليود الذين ارتدوا الجينز، مثل جيمس دين
يقال إن المراهقين بدأوا باستخدام كلمة "جين" في نفس العقد، قبل أن يستبدلها ليفي شتراوس في الستينات بكلمة "جينز" في الدعاية والترويج لتجارته في بيع بناطيل الجينز.
وأذيع أول إعلان تلفزيوني لشركة ليفايز عام 1966، قبل أن يظهر إعلان آخر عام 1981 لنساء يرتدين سروال جينز موديل 501 باستخدام عبارة (يتقلص ليناسب).
يقدر الإنتاج السنوي لسراويل الجينز بخمسة مليارات سروال في السنة، في حين يصل معدل استهلاك الدينم لنحو 1.5 سروال للفرد في أوروبا، مقابل 4 للفرد في أمريكا. ويتوقع سيلا أن ترتفع النسبة قريبا إلى "سروال جينز لكل فرد في الكوكب. وفي نظرة مستقبلية مستوحاة من الماضي، تستمر صناعة الدينم بالنظر إلى الجينز الأصلي الأزرق كمصدر إلهام في التصميم والمتانة".
في ختام رحلة تاريخ الجينز، ندرك أن هذه القطعة البسيطة من النسيج لا تعبر فقط عن موضة الملابس، بل تحمل قصة غنية بالتطور والتغيير. من اللحظة التي ابتُكر فيها هذا السروال القوي ليكون رفيقاً للعمال في المناجم، إلى أن أصبح رمزاً للتميز والتجديد في عالم الموضة.
الجينز ليس مجرد ملابس، بل هو لغة تعبير عن الأناقة والاستقلال، يرتبط بتطلعات الشباب وتحديات العصر. في عصرنا الحديث، يظل الجينز حاضرًا في حياة الناس كرمز للحرية والتنوع.
فعندما اجتمعت الحاجة بالابتكار، وأسهمت في إنشاء قطعة لا تُنسى من الأزياء. فإن تاريخ الجينز يعكس رحلة الإبداع البشري والتأثير العميق الذي يمكن أن تحققه القطع البسيطة في تشكيل ثقافتنا وأسلوب حياتنا.
غدا نلتقى
تعليقات
إرسال تعليق